يتناول مشهداً مثيراً للجدل من العلاقة بين "الديني والسياسي" في تاريخ تجربة الحكم الإسلامي. وأهمية معالجة هذا الإشكال من منطلق دواع أكاديمية، من شأنها أن تحرر الموضوع مما ظل مهيمناً عليه من قيود، ما برحت تمليها انتماءات سياسية معلنة، أو خلفيات إيديولوجية مضمرة. ولذلك فقد استهدف الكشف عن طبيعة العلاقة بين الفقه (تنظير الفقهاء للواقع ) والسياسة (ممارسة الأمراء في الواقع)، والخلوص من خلال تجلياتها الظاهرة إلى آلياتها الداخلية، التي ما فتئت تحكم هذا الشكل المعقد من التداخل بين سلطة الفقيه وسلطة الأمير. أما عن ربط الإشكال – على إطلاقه – بالحقبة الموحدية، فيستمد مبررات اعتماده من الأهمية التي يكتسيها العصر الموحدي، الذي عد منعطفاً حاسماً في تاريخ الغرب الإسلامي؛ بل ومعلماً تاريخياً يجري التمييز عنده بين مرحلتين: مرحلة مجتمع ما قبل الموحدين، ومرحلة مجتمع ما بعد الموحدين. إلا أن البحث لا يرتهن بلحظة تاريخية منصرمة، إنما يستحضر – ولو على سبيل الإيماء – الخصوصية المعاصرة لطبيعة الدولة في البلاد الإسلامية، ومن ثم فإن الآفاق التي ينفتح عليها تنم عن مكمن الطرافة فيه، لما كان محور النظرة التي انتظمت فصوله هي الحضارة بحراكها، وليس التاريخ بتفاصيله. وباختصار، يسعى هذا العمل المتميز إلى الإجابة عن ثلاثة أسئلة كبرى: ما هي طبيعة العلاقة بين سلطتي الفقهاء والحكام الموحدين في الغرب الإسلامي الوسيط؟ وكيف واجه الفقهاء تحدي الموحدين لسلطتهم العلمية الاجتماعية وما هي الدلالات الحضارية لهذا الموقف بالنسبة إلى مذهب فقهي استطاع أن يسود الحياة المغاربية قروناً؟ واعتماداً على المجالين السابقين، التاريخي والحضاري، كيف يمكن لهذا الدرس أن يعالج أحد مشاغل الفكر الإسلامي السياسي الحديث؟ كما إنه مساهمة في الإجابة عن السؤال المركب الذي يلاحق الفكر الإسلامي الحديث ويبحث عن معالجة علمية خارج تأثير الأيدلوجيات المختلفة كيف يمكن للماضي أن يساعد في فهم الحاضر وتحليله في خصوص مسألة النخب وسلطاتها؟ هل توجد نظرية إسلامية في الحكم يمكن استمدادها من المنجز التاريخي؟
462 ص تاريخ النشر: 2009