تقرير حول ابن رشد ومدرسته الفكرية
نظم معهد الدراسات الأبستمولوجية ببروكسيل يوم 19 أكتوبر 2019 جلسة نقاشية حول ابن رشد ومدرسته الفكرية، وقد رأس الجلسة وأدارها مدير المعهد الأستاذ الدكتور محمد بدي إبنو، وقد شارك فيها العديد من الأكاديميين المتخصصين.
وصرّح مدير المعهد ورئيس الجلسة الدكتور بدي إبنو أن هذه الجلسة عبارة عن تفكير بصوت مرتفع بين متخصصين ومهتمين بفكر ابن رشد ومدرسته، وأشار أن الفضل في عقد هذه الجلسة يرجع إلى الأستاذ الدكتور العمراني حيث كان له الفضل الكبير في عقد أنشطة علمية وفكرية بالمغرب تتمحور حول فكر ابن رشد في سنة 1980 و 1990 تحت عنوان “مؤتمرات ابن رشد“.
وصرح الأستاذ العمراني أنه في هذه الفترة المذكورة نُظم عشرين مؤتمراً، ومن أهم الطروحات في هذه المؤتمرات ذكر على سبيل المثال: إشكالية المنهج عند أرسطو، حول أعمال وكتب أرسطو، ومن الجدير بالذكر أن خمس مؤتمرات نُظمت حول ابن رشد بين سنتي 1989 و 1998. انعقد الأول والثالث بفاس، والثاني بالرباط، والرابع بكولون والخامس بمراكش. لم تسمح، مع الأسف، الظروف لنشر أعمال هذه المؤتمرات ماعدا مؤتمر كولون. ومن الطروحات التي
تمّت دراستها وبحثها خلال هذه المؤتمرات: أعمال ابن رشد بصفة عامة، علاقة ابن رشد بفلاسفة اليونان، علاقته بالفلاسفة المسلمين، واللقاء والتواصل بين التراث اليوناني، العبراني والعربي.
وأقترح الأستاذ العمراني تنظيم عدة مؤتمرات حول أعمال محددة لابن رشد، وعقد دراسات مقارنة بين ابن رشد الفيلسوف، وابن رشد القانوني، وابن رشد العقائدي. ورشح وحفَّز الدكتور العمراني المعهد في بروكسيل على تنظيم مؤتمرات حول ابن رشد وفكره، وذكر كذلك أن هناك العديد من الدراسات والبحوث المتخصصة قد نشرت حول ابن رشد وفكره ، وذلك خلال الثلاثين عاماً الماضية وقد تناولت كل المجالات المتعلقة بفكر ابن رشد: الفيزياء، الميتافيزيقيا، المنطق، الأخلاق وغيرها، لذلك يقترح الدكتور العمراني تنظيم مؤتمرات ولقاءات تتمحور حول مواضيع محددة تتعلق بفكر وأعمال ابن رشد مثل: شرح كتاب المبدأ في الميتافيزيقا. وطرح الدكتور بدي إبنو أسماء بعض الباحثين المهتمين بفكر ابن رشد ويُوَدون الالتحاق بهذا المشروع الفكري فمثلاً أحدهم كتب مقالات حول “النبوة بين ابن رشد وابن ميمون”، والباحثة فريال بوهافة التي تناولت في أطروحة الدكتوراه “ابن رشد كفقيه”.
وشارك الأساتذة الحضور بعد ذلك لإبداء رأيهم واقتراحاتهم حول مقترحات الأستاذ العمراني. فرحب الأستاذ منتدا، والذي كان عنصراً فعّالاً في المؤتمرات المذكورة آنفاً بالفكرة ودعا إلى التفكير في طبعات نقدية منقّحة لترجمات ابن رشد، حيث أن ترجمة التهافت مثلاً تحتاج إلى إعادة نظر وفكر جديد. وذكر أنه قد كُلّف بكتابة مقالة حول ترجمات ابن رشد، ويعتقد أن ترجمته الجزئية لكتاب تهافت التهافت إلى اللغة الكاتلانية هي الأقرب حداثة.
وصرّح الأستاذ العمراني أن ترجمة هذا النص الرشدي يشغله منذ سنين، ولعل هذه الانطلاقة الجديدة المهتمة بفكر ابن رشد تكون حافزاً ودافعاً لذلك، ويعتقد أن من الأفضل لو شرع في الترجمة انطلاقاً من مخطوطات الكتب الإيرانية والتركية. أما الأستاذ مقداد عرفة فيقترح أن يعمل من جهته على مراجعة وتصحيح الدراسات الفرنسية لأعمال ابن رشد حديثة العهد. ويقترح النظر في علاقة ابن رشد بالفلسفة والفكر العقائدي أيضاً.
وطرح الأستاذ فؤاد بن أحمد مسألة تهميش الدراسات العربية في هذا الشأن فكأنما هناك قفزاً على البحوث العربية المتعلقة بابن رشد، أو أن هناك خطابين بلغتين وكل لغة تكتفي بمراجعها. ويقترح أولاً حصر جميع الدراسات المقدمة في هذا الشأن ومعرفة إلى أين وصلت الطبعات والترجمات والدراسات المتعلقة بابن رشد ثم بعد ذلك فقط يُمكن تحديد واختيار مواضيع البحث. يساعد ذلك على تفادي دراسة النصوص التي اشتغل عليها الباحثون كثيراً في السابق، فمثلاً وحتى الآن لا توجد طبعة نقدية لكتاب بداية المجتهد أو الكليات في الطب. وذكر الأستاذ فؤاد أن الموضوع الملحّ بالنسبة له هو النظر في إرث ابن رشد في العالم الإسلامي وهل هناك استمرارية لفكره؟.
وشارك الأستاذ العمراني وأكد أن تنظيم مؤتمرات في العالم العربي بمشاركة باحثين غربيين هو ردم للهوّة التي تفصل وتفُرّق بين البحث العربي والبحث الغربي في هذا الشأن. ويضيف أن في الجامعات العربية الاهتمام الأكبر منصبّ على دراسة كتاب “فصل المقال” ولكن في هذه المؤتمرات المزمع عقدها في الجامعات العربية ستُحَدد الموضوعات حسب الإشكالات الفلسفية المطروحة حالياً.
وأكد الأستاذ جيل جانسون أن هناك طبعات نقدية لأعمال ابن رشد مفقودة، بالرغم من محاولات الباحثين في الثلاثينيات من القرن السابق، الذين انطلقوا مما كانوا يملكونه من وسائل، ولكن ينبغي الاعتراف بالأخطاء والتقصيرات التي حدثت، مثل كيف استُقبِل ابن رشد في المغرب العربي والشرق الأوسط أيضاً. ينبغي الحذر من الترجمات وبخاصة ما يتعلق بالمصطلحات التقنية مثلاً، ويجت أن نتساءل: كيف قرأ ابن رشد ابن سينا؟ ما هي النصوص التي من خلالها نفد إلى فكر ابن سينا؟ هل قراءه من خلال فكر الغزالي أم من خلال فلاسفة آخرين؟ ينصح الأستاذ بالحذر وتوخي الدقة في التعامل مع الطبعات والترجمات العربية ومقارنتها للتأكد من مصداقيتها بالترجمات اللاتينية. وينبغي التنبيه أيضاً أن ابن رشد لم يقرأ أرسطو في لغته اليونانية ولكنه قراءه من خلال الترجمة اليونانية العربية. فما هي النصوص التي شرحها ابن رشد وماهي النصوص الأخرى التي اعتمد عليها في شروحاته المختلفة؟
وذكر الأستاذ رسول نمازي أن تخصصه يجعله مهتماً بالجانب السياسي في فكر ابن رشد. وأوضح أنه بالإمكان التعامل مع ابن رشد من زوايا مختلفة وليس من الزاوية الفلسفية البحتة فقط. وتطرق لكتاب صدر نتيجة لمؤتمر عُقد بباريس عام 1976 باسم “ابن رشد متعدداً”، حيث أشار أنه يمكن أن يكون خطوة أولى للانطلاق في المشاريع القادمة، كما أشار إلى أهمية إعداد لقاء عمل يتناول فكر ابن رشد بصفة عامة وزوايا فكره المتتوعة.
قدّم الأستاذ بشير متيدجة مسحاً مختصراً عن الأعمال الجامعية الجزائرية المقدمة حول فكر ابن رشد منذ عام 1992 إلى 2018 والتي بلغت 24 أطروحة منها: “الفلسفة السياسية عند ابن رشد” ” صور التأسيس المنطقي في ردّ ابن
رشد على الغزالي“، “نقد ابن رشد لعلم الكلام“، “حضور فلسفة ابن رشد في فكر محمد عابد الجابري“.
يلاحظ الأستاذ الطيب ولد العروسي أن هناك كتابات كثيرة حول ابن رشد باللغة العربية، ولكن ليس هناك تواصل بين الجامعات العربية في هذا الشأن، بحيث نجد أحياناً أن العمل يصدر حاملاً نفس العنوان من جامعة إلى أخرى، فكأن الجامعات ليست على دراية بما يصدر حول ابن رشد في المحيط الجامعي العربي. ولذلك أبدى استعداده للقيام بجرد وإحصاء جميع الأعمال الصادرة باللغة العربية المتعلقة بابن رشد. وكذل يلاحظ الأستاذ الطيب غياب التواصل بين البحث الغربي والعربي، فبعض الكتب الفرنسية تخلو تماماً من الإحالة إلى الدراسات العربية في هذا الشأن، رغم أن هذه الأخيرة تجتهد قدر الإمكان في العودة إلى الدراسات الغربية. يحيّي الأستاذ اهتمام الأستاذ العمراني بابن رشد ويراه ضرورياً، إذ مازالت الفوضى وعدم الوضوح يطغيان في تحديد الاتجاه الفكري لابن رشد، فهو عند البعض يُعتبر محافظاً أو سلفياً وعند البعض الآخر يُعدّ كافراً. أما بالنسبة للباحث الغربي فيُصَّنف ابن رشد حسب الاهتمام والفائدة السياسية. وينبغي أيضاً دراسة تأثير ابن رشد في العالم الإسلامي وكيف تعامل هذا الأخير مع فكره، وهي مسألة تحتاج إلى مزيد من البحث. كما يضيف الأستاذ ولد العروسي أنه بحكم عمله في معهد العالم العربي وبحكم أنه اشتغل كمدير لمكتبة المعهد لمدة ثلاث عشرة عام لاحظ أن اهتمام الباحثين بابن رشد كان قوياً ولكن منذ عام 2010 بدأ الاهتمام يضعف ويقل.
واقترح الأستاذ جانسانس أن يتم حصر شامل لكل الأعمال الصادرة حول ابن رشد في مختلف اللغات في العالم الغربي والعربي. ويرى الأستاذ العمراني أن ابن رشد ليس نتاجاً للثقافة العربية الإسلامية فقط، فمعظم أعماله توجد باللغة العربية واللاتينية والعبرية، ومستويات دراسة أعمال ابن رشد متنوعة ومتعددة لأننا ننتقل من دراسة طبعات النصوص إلى شروحاتها وأخيراً إلى مصادرها. وليس من السهل دراسة فكر مؤلف كابن رشد الذي ينتمي إلى نهاية المرحلة الهيلينية للفلسفة العربية.
ومن المقترحات العملية، أكد الأستاذ العمراني على أهمية التركيز على أعمال ابن رشد. أما الأستاذ بدي فتساءل هل سيتم التركيز على الجانب الأبستمولوجي فقط أم سيتم إضافة الجانب المنهجي مثل الطبعات النقدية، الترجمات …إلخ، وأشار إلى غياب التواصل بين الجامعات الغربية والعربية في هذا الميدان وفي ميادين أخرى. واقترح الأستاذ فؤاد أن يتم حصر لكل الأطروحات والمقالات التي كُتبت حول ابن رشد أولاً حتى نتمكن من معرفة ما ينبغي فعله.
اقترح الأستاذ عرفة أن يكون الاهتمام بالبدء بوضع قائمة للمراجع المهمة، أي إيجاد بنك للمعلومات خاص بابن رشد كقاعدة معلوماتية بدلاً من جرد جميع الأعمال التي كُتبت حوله. بينما أكد الأستاذ بدي على أهمية الاستفادة من التجارب المتاحة ولو في ميادين أخرى، مثل بوابة السيد حسين ناصر حول الفلسفة الإسلامية حيث يمكن لكل مهتم أن يشارك بإضافة مطبوعات متعلقة بالميدان عن طريق هذه البوابة، فإنه بالإمكان إنشاء بوابة خاصة بابن رشد.
وطُرحت مسألة المنهج وأهميته وكيف التعامل معه، وأكدت الجلسة على الاهتمام بالمخطوطات التي لم تطُبع بعد، فمثلاً المخطوطات الموجودة في إيران تتجاوز ثلاث أضعاف ما هو موجود في العالم بأسره، مثال ذلك مخطوطات تهافت التهافت وتسع وثلاثون نسخة لجوامع المقولات. ولا يهم العدد الكبير بالضرورة فيمكن للمختصين أن يتحروا من أصالة المخطوطات.
وأشار الأستاذ فؤاد إلى أن المؤتمرات ذات الجلسات المغلقة قد لا تهم المؤسسات المنظمة، لذلك من الأحسن الجمع بين الجلسات المفتوحة والجلسات المغلقة، وأن تتم دعوة طلبة الدكتوراه للمشاركة في النقاش مع الباحثين المختصين كما ينبغي الاهتمام بنشر أعمال المؤتمر.
أما الأستاذ جانسانس أكد على أهمية نشر أعمال المؤتمر في العامين المواليين على الأكثر، وأكد على أن نشر الأعمال لا يعني أن الأعمال المطروحة في المؤتمر نهائية بل يجب أن تظل دائماً مؤهلة للمراجعة والنقد.
طرح الأستاذ نمازي تساؤل عن مدى أهمية الجلسات المغلقة ونبه أن المؤسسات المنظمة تفضل الجلسات المفتوحة لأنها تعد نوعاً من الدعاية لها. وأشار الدكتور بدي إلى الفرق بين الجلستين، فالجلسة المفتوحة أكثر تعقيداً ومكلفة مالياً وطريقة الطرح نفسها تختلف من جلسة إلى أخرى. أما الجلسة المغلقة فهي فرصة لتبادل وجهات النظر بين المتخصصين بمساحة واسعة من الحرية والطرح الفكري.
وأشار الأستاذ العمراني إلى إشكالية لغة المداخلات وطرح فكرة لحلها بتعيين شخص أو شخصين ضمن المتدخلين المختصين لترجمة المداخلات وهذا ما يحدث غالبًا في الجلسات المغلقة، ولعل طبع المداخلات مُسبقاً يسهّل عمليّة الترجمة. وأتى الأستاذ ولد العروسي باقتراح أن تغُلق الجلسة صباحاً و تفُتح مساءً.
وأخيراً، نوقشت تفاصيل المؤتمر القادم والمزمع عقده في ديسمبر 2020 وتم تشكيل اللجنة العلمية لمتابعة التحضيرات اللازمة.
Recommended Posts
تعزية المعهد في وفاة الأستاذ محيي الدين عطية
أبريل 10, 2024