قراءة ومدارسة: كتاب “الموافقات في أصول الشريعة”

قراءة ومدارسة: كتاب "الموافقات في أصول الشريعة"

نظّم مركز الدراسات المعرفية بالتعاون مع مركز الشاطبي للاستشارات الدراسية والتعليمية للطلاب الإندونيسيين “المقرأة المعرفية” لكتاب الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي، قراءة ومدارسة فضيلة أ. د. محمود عبد الرحمن عبد المنعم – رئيس قسم أصول الفقه كلية أصول الدين جامعة الأزهر – بالقاهرة. وقد عقد اللقاء في الفترة من 25 – 26 جمادى الآخر 1437هـ الموافق 3-4 أبريل 2016 بمقر دار الحسن – مدينة نصر – القاهرة، التابع للطلبة الاندونيسيين.

وقد شارك في هذه المقرأة مائة طالب في اليوم الأول وسبعون في اليوم الثاني.

لماذا كتاب الموافقات؟

الموافقات هو العلم الذي يبحث في المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، سواء أكانت تلك المعاني حكماً جزئية أم مصالح كلية أم سمات إجمالية، وهي تهدف إلى تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين”. ويأتي كتاب الموافقات كأول عمل يجمع الشذرات التي نثرها الصحابة والتابعين والعلماء في تصرفاتهم، وهو علم في مجاله كما كان كتاب الرسالة للإمام الشافعي.

الإمام الشافعي عالج المشكلة العلمية الفكرية الفقهية التي شاعت في عصره حيث كانت هناك مشكلة في الاستدلال بخبر الآحاد، ومشكلة الفقه في حجية الإجماع, و القياس, والتوسع في القياس…الخ. حيث قُسم الفقهاء إلى طائفة توسعت في القياس، وطائفة أخرى ضيقت فيه. وكذلك الخلاف بين المذاهب والأئمة. فجاء الإمام الشاطبي ووفق بين المدارس المختلفة كمدرسة أهل الرأي ومدرسة أهل الحديث, ووفق بين الحنفية والملكية أيضاً. وكذلك حاور الشاطبي المعتزلة, وناقش آرائهم ثم رد على حججهم.

لقد تناول الكتاب المسائلَ الأصولية والقضايا الكبرى التي تحتاج إلى توفيقها, وهى:
– القطعية والظنية
– العقل والنقل
– الكلية والجزئية في النصوص
– الإتباع والابتداع
– الاجتهاد والتقليد

هذه القضايا تناولها الأئمة بطرق متعددة ولكن كان للشاطبي رؤية جديدة في تناولها،. كل فريق من تلك الفرق تناول تلك القضايا على وجوه مختلفة من حيث معناها العام, وبعضهم تناولها في معناها الخاص. ولذلك أتى كلامهم من وجوه مختلفة.

لقد قسم الشاطبي كتابه تقسيما ًعلمياً منهجياً معرفياً. وهو لم يُحدث الخصومة بين علم المقاصد وعلم الأصول، كما أحدثها الأئمة الآخرين مثل الشيخ الطاهر بن عشور الذي قال “علم المقاصد يأتي على أنقاض علم الأصول”. لكن الشاطبي جعل علم الأصول لخدمة علم المقاصد، إذ جعل كتاب المقاصد بين كتاب الأحكام وكتاب الأدلة، ليُعلمنا أن تلك المقاصد هي مقاصد تلك الأحكام، وأن استعمال الأدلة الشرعية لا بد أن ينظر في تلك المقاصد ليستقيم هذا الاستعمال. ولم يزد الشاطبي على الأولين إلا أنه وسع الكلام في تلك المقاصد وبوب الكلام فيها ضمن العلم الذي يحتضنها وهو علم أصول الفقه..

ورتب الإمام الشاطبي كتابه ترتيباً منطقياً, و قسمه إلى خمسة أبواب. فبدأ بالمقدمة المنهجية التي تحتوى على (13) مقدمة أصولية، والذي سيسير عليها الإمام في عرض القضايا المهمة وتأصيلها وحل مشكلات شتى في مجالات الشريعة, فكأن هذه الثلاثة عشر مقدمة كانت بمثابة القوانين التي تشدد النظر والفكر في تكامل المسائل العلمية و الأصولية.

وبعد المقدمة عقد باباً للأحكام الشرعية في الحلال و الحرام والمكروه…إلى غير ذلك من الأحكام. سواء كان قطعية أو ظنية. ثم بعدها خصص باباً في المقاصد, لأن لكل الأحكام الشرعية لها مقاصد. فهناك المصالح والمفاسد, فعلى قدر المصلحة يكون الوجوب, وعلى قدر المفسدة يكون التحريم…., ووضع الشاطبي المقاصد بعض الأحكام ليبين أن لكل الأحكام لها فوائد وغايات وأغراض، وتتنوع الأحكام بتنوع غايتها وأغراضها. ثم يأتي السؤال: “من أين عرفتم هذه الأحكام وهذه المقاصد؟” فيكون الجواب “من الأدلة”. وبعد عرضه للأحكام والمقاصد, جاء الشاطبي ليبين الأدلة سواء كانت الأدلة على الأحكام أو الأدلة على المقاصد.

ثم يأتي السؤال: “من الذي سينظر ويستخدم تلك الأدلة؟” فمن هنا, فصل الشاطبي باباً في الاجتهاد و التقليد.

لماذا لم يبدأ الشاطبي كتابه بباب الاجتهاد والتقليد, وقدم المقدمة في القواعد؟ لأنه لابد أولاً أن يبين القواعد العلمية الفكرية والمعرفية حتى يبنى عليها القضايا. لأن هذه القضايا نوقشت من قبل بمنهجية لا يتوافق معها الشاطبي.

هذه إضاءة إجمالية لكتاب الموافقات, وقد رتبه الشاطبي ترتيباً علمياً منطقياً متناسقاً. حتى صار هذا الكتاب كتاباً مهماً في تغيير مجرى تاريخ علم الأصول بصفة خاصة والتاريخ الفكر الإسلامي بصفة عامة.

المزيد من الصور