دور المعهد العالمي للفكر الإسلامي في تطوير الدراسات الإسلامية في الكليات اللاهوتية

دور المعهد العالمي للفكر الإسلامي في تطوير الدراسات الإسلامية في الكليات اللاهوتية

فكرة الحلقة النقاشية في الأكاديمية الأمريكية للأديان

ظهرت فكرة الحلقة الدراسية التي نظمتها الأكاديمية الأمريكية للأديان (AAR) في اجتماعها السنوي لعام 2015 حول تعليم الدراسات الإسلامية في الكليات اللاهوتية من خلال المناقشات المستمرة التي أقامها المعهد مع العديد من الأساتذة والمديرين في تلك الكليات، وخصوصاً، مارك تولوز ونيفين ريداً من كلية ايمانويل, وسيرين جونز وجيروشا تانر لامبتي من معهد الاتحاد اللاهوتي، وما أن تم وضع العناصر والأفكار الرئيسة للحلقة حتى تم التواصل مع العديد من الكليات الأخرى والتي قبلت دعواتنا دون تردد. وهكذا، تم وضع عناصر المشروع برمته بشكل رئيسي من نيفين وجيروشا ومني.

المعهد العالمي للفكر الإسلامي ودراسة الإسلام

أُنشىء المعهد العالمي للفكر الإسلامي عام 1981 كمؤسسة أكاديمية وتعليمية تهدف إلى تجديد وإصلاح الفكر الإسلامي، وقد حافظ القائمون على المعهد على قناعاتهم أن المشكلة الرئيسية التي تواجه أمة الإسلام هي مشكلة فكرية. ولا يمكن معالجة هذه الأزمة إلا من خلال دراسة نقدية للتراث الإسلامي، والتي يجب أن تقترن مع نقد في عمق الفكر العلماني الحديث. ويعتقد مؤسسو المعهد أيضاً أنه يجب على المسلمين إعادة القراءة المتكاملة لمعارف الوحي المأخوذة من نصوص القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية والمعرفة البشرية في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم الطبيعية.

ويعرف هذا النهج بأنه (الجمع بين القراءتين) وهما: كتاب الوحي المنزل (القرآن) وكتاب العالم المخلوق. وتحقيقاً لهذه الغاية، فإن المعهد العالمي للفكر الاسلامي يدعم إصلاح التعليم في المجتمعات الإسلامية (وغيرها) والتي تأخذ بعين الاعتبار هذه الطرق التكاملية للمعرفة.

وكان البروفيسور الراحل إسماعيل الفاروقي (المتوفى عام 1986) من المؤسسين الأوائل للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وامتدت سمعته المهنية اللامعة – رحمه الله- من خلال دراسته في جامعة هارفارد وتدريسه فيها إضافة إلى العديد من الجامعات مثل جامعة ماكجيل وجامعة سيراكيوز وجامعة إنديانا وجامعة الأزهر في القاهرة، وجامعة تمبل في بنسلفانيا- وتأسيسه لقسم دراسة الإسلام في الأكاديمية الأمريكية للأديان. وفي عام 1979، أسهم الدكتور الفاروقي في عقد لقاء حسب وصفه في كلماته، “لقاء غير عادي”، وهو تجمع لأكاديميين يهود ومسيحيين ومسلمين، الذين شاركوا في ما اسماه الفاروقي لاحقاً “الحوار الثلاثي للديانات الإبراهيمية”. وقد نشر كتاب يحمل نفس الإسم في عام 1979، وأُعيد نشره في وقت لاحق من قبل المعهد في عام 1981. وبهذا الافتراض في الحوار بين الديانات الإبراهيمية بأنه “حوار ثلاثي” دعانا فيه الفاروقي للتفكير في منهجية تعدد الأطراف في المداولات والتقارب والمناظرات بين الأديان.

ولو أن الفاروقي – رحمه الله- حياً بيننا الآن لما تفاجأ بوجود مثل هذا الحوار الثلاثي قديماً ولا يزال قائماً حتى يومنا هذا. لكن المفاجأة الحقيقية له ستكون في أن حقل دراسة الإسلام وعلومه أصبح مقبولاً ومرغوباً فيه كثيراً في العديد من الجامعات والكليات اللاهوتية المعروفة في أمريكا الشمالية: مثل كلية هارتفورد وكلية ايمانويل، معهد الاتحاد اللاهوتي، ومعهد الاتحاد اللاهوتي للدراسات العليا، وغيرها.

الالتحاق بالكليات اللاهوتية

هذا التحول الملحوظ في التعليم اللاهوتي في أمريكا الشمالية تسبب بشكل جزئي في قبول عدد متزايد من المسلمين في الأوساط الغربية، رافقه عزوف الكثير من الطلاب النصارى عن الإلتحاق بالكليات اللاهوتية. وقد أتخذ المعهد قراراً حاسماً لدعم الدراسات الإسلامية ضمن هذا السياق الجديد. وقد أنتجت علاقتنا مع معهد هارتفورد، والتي تقودها القيادة الحكيمة في كلا المؤسستين، النقاش المثمر للحوار المسيحي- الإسلامي، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ فتم إنشاء برامج جديدة، بما في ذلك “شهادة الدراسات العليا في الإمامة والقيادة الاجتماعية” التي تسعى لتخريج القيادات الدينية والمجتمعية والتي تتكامل فيها المعرفة الإسلامية مع الفهم الراسخ للواقع الديني في أمريكا الشمالية. وهناك برنامج آخر، هو “الإرشاد الديني الإسلامي”، الذي افتتح في كلية هارتفورد اللاهوتية بدعم كبير من المعهد العالمي للفكر الاسلامي. وفي الآونة الأخيرة، اقام المعهد شراكة مع الاتحاد اللاهوتي من خلال تقديم الدعم لبرنامجهم الذي تم اعتماده حديثاً باسم: “الإسلام، العدالة الاجتماعية، والمشاركة الدينية.”

وللمساعدة في هذه البرامج والمبادرات المختلفة، قام المعهد بتوظيف متخصصين مسلمين من أجل تنويع المؤسسات التعليمية الدينية وتمكين أصوات المسلمين في دراسات المعاهد اللاهوتية. وكانت النتيجة، كما هو واضح من المساهمات الأخرى التي برزت في هذه الحلقة الدراسية، انتشار وتنشيط الحوار والمناقشات بين الأديان وداخل الدين الواحد. وقد التحق عدد من الطلاب المسلمين في هذه الكليات الدينية، لإضافة التنوع في الكيان التعليمي وإثراء المواد التعليمية المطروحة للدراسة في البرامج اللاهوتية والدينية.

والذي يجعل تدريس ودراسة الإسلام في المدارس اللاهوتية جاذباً لاهتمام المعهد هو حقيقة أن الإيمان والالتزام الديني هي موضع ترحيب في هذه المؤسسات. بينما يقوم مدرسو الدين في المؤسسات “العلمانية” بالانخراط بجدية مع مسائل الايمان،فإنهم لا ينظرون بعين الرضا للإيمان المبني على الأديان المعروفة. الافتراض الأساسي عندهم أن هذا النوع من الإيمان أمر ذاتي ولا يمكن دراسته بطريقة موضوعية منهجية. وهكذا، تُتَجنب المعيارية وترفع قيمة المعيارية، وغالباً ما تظهر المواضيع الابتداع والهرطقة الدينية أكثر جاذبية من الدراسة في المعتقدات التقليدية، والفكرة كلها أن الأديان كنظم اعتقادية متماسكة تم تفكيكها، وأحياناً استبعادها تماماً.

هناك بعد آخر مهم حول دراسة الاسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، وهو التركيز على قضايا الإسلام والمسلمين من زاوية أمنية. وبدأ التمويل يصب من دوائر الدفاع ووكالات الأمن والحماية أقسام دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية التي تعد حاجتها إلى التمويل قضية مزمنة. وتمثلت ضغوط هذا الدعم في السعي إلى فهم الإسلام من منظور ضيق يستهدف الإسهام في شن ما سمي “الحرب على الإرهاب”. والحمد لله، أن الكليات اللاهوتية لم تكن من متلقي الدعم بشكل كبير مما أدى الى تجنبهم الوقوع في فخ النظر إلى الإسلام والمسلمين على اعتبارها مسألة أمنية. ونتيجة لذلك، لم تكن تتلطخ مناهج تدريس الإسلام بتقلبات السياسة اليومية وحاجات الدولة للأمن القومي. وظلت الكليات اللاهوتية، إلى حد كبير، واحات لدراسة الإسلام والمسلمين، بعيداً عن البعد الأمني.

الطريق إلى الأمام

كما أن المزيد من الأساتذة والطلاب المسلمين لا يزالون يلتحقون في الكليات اللاهوتية، سيكون هناك المزيد من الحاجة إلى توسيع وتعميق نطاق الدراسات الإسلامية في هذه المؤسسات. وقد بدأ المسلمون في أمريكا الشمالية يظهرون المزيد من الاهتمام في الدراسات الدينية، بما في ذلك الكليات اللاهوتية. وهذا يشكل فرصة لكثير من هذه المؤسسات للبناء على هذا الاهتمام والبدء في تقديم المزيد من الدراسات الإسلامية.

وفي الوقت نفسه، هناك ردات فعل محتملة من القاعدة التقليدية التي اعتمدت عليها هذه الكلية في الماضي، بحجة أن الكليات اللاهوتية تحابي المسلمين بقدر كبير. ويكون من المهم أن يرسم مديرو هذه المدارس خطاً دقيقاً بين استرضاء الأكبر سناً من الخريجين السابقين، وقاعدة الدعم المالي، وتوسيع انتشارها لتشمل المسلمين وما لديهم من قدرة على العطاء والتمويل.

ومع تحول أمريكا الشمالية إلى بلد أكثر تنوعاً وتعددية، فإن هناك ما يدعو الكليات اللاهوتية للتحرك في هذا الاتجاه. وهذه الخطوة تتطلب الفحص الذاتي العميق للإلتزامات اللاهوتية، والنظر في طبيعة المؤسسات، وفي نهاية المطاف بناء رؤية حول نوع المؤسسات التعليمية في المستقبل.

الدكتور إرمين سنانوفيتش مدير إدارة البحوث والبرامج الأكاديمية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومدير معهد فيرفاكس. وقبل التحاقه بالمعهد عمل أستاذاً مساعداً في قسم العلوم السياسية في الأكاديمية البحرية الأمريكية في أنابوليس بولاية ميرلاند. وقد حصل على درجة الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من كلية ماكسويل في جامعة سيراكوز. وقبل ذلك حصل على درجتي بكالوريوس إحداهما في دراسات القرآن والسنة، الثانية في العلوم السياسية من الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا. ودرجة ماجستير في الحضارة الإسلامية من المعهد العالمي للفكر الإسلامي والحضارة (إستاك) في ماليزيا. تتضمن اهتماماته البحثية قضايا الصحوة الإسلامية والإصلاح الإسلامي، والفكر السياسي الإسلامي ودراسات جنوب شرق آسيا. يتكلم البوسنية والإنجليزية والعربية والمالوية.