المسح البحثي الأولي: المفاهيم البحثية

المسح البحثي الأولي: المفاهيم البحثية

بقلم: د. إلهام ناصر – باحثة أولى

 عادة ما يتم تعريف القيم بأنها التوجيهات التي تقود القرارات المصيرية لشخص ما وأساليب حياته وتفكيره  (Blanchard، 2018). في البحث التجريبي، نقوم بتفعيل القيم في مفاهيم قابلة للقياس من أجل تسجيل معتقدات الناس ومواقفهم بشأن هذه التوجيهات، خاصةً لكونها تنطبق على المجتمعات الإسلامية.

لتحديد الطرق التي قد نقيس بها هذه القيم، أجرينا مراجعة شاملة للأدبيات السابقة وأضفنا تفسيراتنا الخاصة للمفاهيم وعلاقتها بمجتمعاتنا. فيما يلي وصف للقيم وطريقة تعريفنا لها على أنها مفاهيم قابلة للقياس في البحث التجريبي. وهذه المراجعة ليست شاملة بأي حال من الأحوال، ولكنها تعطي نظرة مختصرة على توجهاتنا البحثية وطريقتنا في تعريف القيم ومدى انسجامها مع نموذج التنمية البشرية. والفكرة في ذلك هي أنه يمكن وضع هذه القيم في حالات الوعي المتنوعة مع إمكانية التراجع والتقدم مع وضع التدخلات والسياسات التعليمية موضع التنفيذ. بعض القيم التي قمنا بإدراجها هنا هي في الواقع جزء من نموذج الديناميكيات اللولبية (Beck؛ وآخرون 2018) وخاصة التعاطف والتفكير الأخلاقي حيث يعيش الناس ظروف الحياة ويتنقلون بين حالات الوعي.

نقوم بتقسيم المفاهيم إلى مجموعتين حيث يكون بعضها متنبئًا والبعض الآخر نتائج. اعتمد هذا بشكل كبير على مراجعة الأدبيات وخاصة تحليلات ميتا للدراسات السابقة التي أجريت على المفاهيم المختارة (Andrews، 2000؛ وKonrath، وO’Brien، وHsing، 2011). يحاول تقرير الدراسة (2018 – 2019) (راجع الموقع الإلكتروني في نهاية نوفمبر 2019 للحصول على نسخة) وللمرة الأولى دراسة الطريقة التي تعمل بها هذه المفاهيم معًا لتحفيز الانتقال من حالات الوعي المنخفضة إلى الأعلى. سوف نبدأ بثلاث قيم وسنتابع الأخرى في منشور “مذكرات الأبحاث” التالي والأخير لهذا العام.

 

التعاطف (يعرّف على أنه متنبئ)

إنه القدرة والاستعداد على الاعتناء بالآخرين والشعور بشعورهم والأخذ بوجهة نظرهم. لقد تمت دراسة التعاطف في الغالب في مجال علم النفس التنموي. ويؤكد علماء مثل ديفيس (Davis، 1994) على كل من المنظور المعرفي والوجداني للتعاطف. ويزعم العديد من منظري الإدراك أن التعاطف يقوم على الفهم الاجتماعي ويستخدم بشكل متبادل كنوع من التعاطف مع أوضاع الآخرين ورفاهيتهم، في حين يطرح المنظرون الأخلاقيون والفلسفيون أن التعاطف يشير إلى التجاوب العاطفي للفرد مع معاناة الآخرين (Horsthemke، 2015؛ وZahavi & Overgaard، 2012) والجهد المتعمد لفهم وجهات نظر الآخرين، والتواصل والتعامل معها، والتصرف بناءً على هذه المفاهيم (Gair، 2011؛ Hojat، 2007). كما أن الدراسات البحثية حول التعاطف وفيرة في مجال الرعاية الصحية، وتشير النتائج بشكل أساسي إلى أهمية تطوير عقلية متعاطفة في وقت مبكر من الحياة.

التعاطف هو أحد القيم والمهارات التي يعد امتلاكها ضرورة، ويشار إلى ارتباطه بالكفاءة الاجتماعية ومهارات التواصل بين المتغيرات الوقائية الأخرى باعتباره حُكمًا أخلاقيًا يقلل من العدوان (Ahmetoglu & Acar، 2016؛ وBerliner & Masterson، 2016). تناولت العديد من الدراسات في مرحلة الطفولة المبكرة تعاطف المعلمين وطرق التعبير عنه في التعامل مع الأطفال، حيث يشار أيضًا إلى أن الأطفال الصغار حتى في عمر 18 شهرًا يمكنهم مساعدة الآخرين والتعاطف معهم (Sierksma، وThijs وVerkuyten، 2014). وينطبق هذا أيضًا على سن المراهقة وطلبة الجامعات الذين تم تدريسهم التعاطف كجزء من برنامج حول الذكاء العاطفي وأظهروا مستويات أدنى من العدوانية والاعتداءات (Castello، وSalguero، وFernandes-Berrocal، وBalluerka (2013)). من بين عينة من طلبة الكليات تبين أن التوظيف والانضمام إلى نادٍ أكاديمي ينبئ بمستوى أعلى من التعاطف (Hudson-Fledge & Thompson، 2017). أخيرًا، وجد أن للتعاطف دورًا أساسيًا في النمو الأخلاقي في الدراسات السابقة (باريس، 2015؛ Masterson& Kersey، 2013) ومن هنا جاء اختيارنا للتفكير الأخلاقي كأحد مفاهيمنا.

 

التسامح (يُعرف كنتيجة متغيرة)

هو القدرة وإرادة التخلي عن المشاعر الصعبة والحاجة للسعي إلى الانتقام من شخص أخطأ في حقي أو ارتكب ظلمًا ظاهرًا ضدي أو ضد الآخرين. التسامح هو مفهوم واسع وغير موضوعي وينظر إليه بشكل مختلف من قِبل الأفراد من ثقافات أو أوساط مختلفة. يُعرّف كلٌ من إنرايت وغاسِن (1992) التسامح بأنه “الرغبة في التخلي عن حقنا في الاستياء، والحكم السلبي، والسلوك اللامبالي تجاه من يؤذينا ظلمًا، في حين نعزز تجاهه/ها صفاتٍ لا يستحقها مثل التعاطف، والكرم، وحتى الحب” (ص 102). يعرِّف العديد من العلماء التسامح مع التأكيد على دور ومسؤوليات الفرد للوصول إلى قرار التسامح. على سبيل المثال، وفقًا لماكولو وويتفليت (2002)، يمكن اعتبار التسامح بمثابة “تجاوب، وميول شخصية وكأحد خواص الوحدات الاجتماعية” (ص 447). كما تم تعريف التسامح أيضًا من قِبل أحمد وبريثويت (2005) كطريقة لتحسين وتخفيف دائرة الصراع والعنف المدمرة بين الأفراد والجماعات.

التسامح هو “الاستبدال العاطفي لـ (1) مشاعر الغضب أو الخوف الملتهبة التي تتبع الأذى أو الإهانة الظاهرة، أو (2) التخلص من عدم التسامح الذي يتبع اجترار الخطيئة، عن طريق استبداله بالمشاعر الإيجابية مثل الحب دون أنانية، أو التعاطف، أو الشفقة ، أو حتى الحب الرومانسي” (Worthington، 2001). يرى كلٌ من ناصر، وأبو نمر، ومحمود (2014) أن التسامح هو قرار شخصي ينشأ عن الدافع الجوهري للتحرر، في حين يعزز تعليم التسامح فهم وجهات النظر المختلفة ويقلل من الصور النمطية (أبو نمر Abu-Nimer، 2001). لقد وجدت الدراسات أن التسامح يتوافق مع الصحة النفسية ويرتبط بقيمٍ مثل التعاطف، والامتنان، والرضا عن الحياة. أشار المشاركون في الدراسات التي تحققت من هذه العلاقات المترابطة أن الأشخاص ذوي التعاطف والامتنان العالي هم أكثر تسامحًا (Marigoudar & Kamble، 2014).

 

التفكير الأخلاقي (يعرَّف على أنه متنبئ)  

يُعرَّف بأنه القدرة والرغبة في اتخاذ قرارات بشأن الصواب والخطأ والعمل بشكل خاص على من يتخذون القرارات الأخلاقية القائمة على أساس هذا الفهم عند مواجهة معضلة أخلاقية (Rest، 1984). أشار المنظرون التنمويون والكلاسيكيون في التفكير الأخلاقي من أمثال كولبيرغ (1984) إلى أن الأفراد يطورون أعلى مستوى من التفكير الأخلاقي عندما يتخذون القرارات بناءً على المبادئ الأخلاقية دون مراعاةٍ لاهتماماتهم و/أو مصالحهم الخاصة (Wells & Schminke، 2001). وأشار المعلمون تيملي، وسين وأكار (2013) في دراسة فيما بينهم إلى أن معلمي ما قبل الخدمة قاموا بتعريف الأخلاق على أساس القيم العالمية مثل الصدق والاحترام. ربما ينهض التعليم الأخلاقي باتخاذ القرارات الأخلاقية السليمة على الرغم من أنه مفقود في التعليم العام في الولايات المتحدة، و(بريمي، 2009) هو مثال على ذلك. يمكن لبرامج وتدريبات الأخلاقيات المهنية أن تعزز التفكير الأخلاقي من خلال الارتقاء بمعرفة الأفراد بكيفية التصرف الأخلاقي عند مواجهة معضلة أخلاقية (Jones، 2009).

تعتبر البحوث في مجال التفكير الأخلاقي وعلاقته بالمفاهيم الأخرى قليلة في المجتمعات الإسلامية (Teymoori، وHeydari، وNasiri، 2014). هناك برنامج جديد يُدعى “تعليم الفضيلة” في الإمارات العربية المتحدة يهدف إلى تعزيز التعليم الأخلاقي الذي يعد “جزءًا من الطموح الوطني الاستراتيجي لتطوير دولة تقدمية مستنيرة، حيث يتقاسم سكانها الثقافة نفسها رغم تنوعهم” (Pring، 2019، ص 297). وتنشأ المشكلة عندما تحاول بعض الأنظمة التعليمية “فرض” مجموعة معينة من القيم على نظام التعليم والمجتمع بشكل عام وتسمي ذلك تعليمًا أخلاقيًا (Brimi، 2009). نهدف هنا إلى تسليط الضوء على تصور الشباب المسلم فيما يتعلق بالتفكير الأخلاقي والعقلاني من أجل تقديم توصيات لبرامج أصيلة ومتكاملة في التفكير الأخلاقي ومجالات أخرى كجزء من خطة شاملة لغرس القيم في تطوير المتعلمين من كافة الأعمار.[1]

[1]  للحصول على قائمة المراجع الكاملة، انظر تقرير “رسم خريطة المعالم” 2018 – 2019.

 

الجزء 2: قيم ومفاهيم بحث المسح البحثي الأولي

إعداد: الدكتورة إلهام ناصر، باحثة أولى

والدكتورة مريم ساروغي، باحثة

ديسمبر 2019

العقلية المجتمعية

تعريفنا للعقلية المجتمعية هو أنها رؤية الذات باعتبارها مترابطة مع الكل وتعمل لصالحه. يُعد هذا المفهوم مهمًّا وفريدًا لدراستنا بسبب السياقات الثقافية المختلفة للبلدان المشترِكة معنا في البحث، ولأن كل مجتمع من المجتمعات الإسلامية لديه احتياجات وخصائص فريدة. كما قد يتم غرس العقلية المجتمعية أيضًا في أذهان الشباب من خلال المناهج وأصول التربية، ما يجعلها قيمة بقدر ما هي مهارة قد يتم الحصول عليها بالتعلم (Longo، 2013).

ولكي نُطور العقلية المجتمعية، من الضروري صياغة إطار يأخذ بعين الاعتبار الرؤى والأفكار المختلفة لتعزيز التفكير التعاوني والتفاعل الإيجابي بين أفراد المجتمع. يتحقق تطوير هذا الإطار بواسطة قادة المجتمع والباحثين الذين يرغبون في استخدام التفكير الناقد ومهارات حل المشكلات، ومن لديهم الإرادة ليكونوا متفتحي العقول ومتعاونين مع المجموعات المختلفة في المجتمع. العمل في الوكالات المجتمعية والمنظمات (خاصة في الغرب) هو إحدى طرق التي تعرف الشباب على مجتمعهم وتمنحهم الفرصة لفهم احتياجات مجتمعهم. هذا يعزز العقلية المجتمعية ويؤدي إلى مشاركة الشباب. وبالتالي، يمكن أن يعزز هذا شعور الشباب بالانتماء إلى مجتمع أكبر (McIntosh، و Metz، و Youniss، 2005). وهناك أيضًا دليل تجريبي على العلاقة المشتركة بين التعاطف والمشاركة المجتمعية (Lawford & Ramey، 2017)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العقلية المجتمعية لا تؤدي بالضرورة إلى المشاركة. مع ذلك، يشير لوفورد ورامي (2017) إلى أن خدمة الآخرين هي “التنبؤ الأساسي بالمشاركة المجتمعية” (ص 133). كما أن العلاقات الاجتماعية التي تلعب دورًا في كيفية مشاركة الشباب في مجتمعاتهم وكيفية مشاركة المعلمين مع أقرانهم في المدارس، تتنبأ أيضًا بمشاركتهم مع غيرهم من أصحاب الشأن مثل الوالدين والمجتمع الأكبر (Preston، 2013).

التديّن

ويعرّف بأنه درجة تأثير إيمان الفرد على قيمه، وسلوكياته وحياته اليومية. وبالنسبة لهوبر وهوبر (2012)، فإن التدين يتكون من أبعاد مختلفة مثل الممارسات العامة والخاصة، والتجربة الدينية، والأيديولوجية، والفكر. يمكن اعتبار هذه الأبعاد مجتمعة ممثِلةً لمُجمل القيم الدينية وكيفية تشكيل هذه القيم وممارستها في حياة الناس. كما يذكر تيموري، وحيدري، وناصري (2014)، “الدين هو مؤسسة اجتماعية تؤثر بشكل كبير على سلوكيات الأفراد وتصرفاتهم اليومية بالإضافة إلى توجهاتهم الاجتماعية والسياسية” (ص 93). يجادل الكثير من العلماء بأن الناس يلجأون إلى الدين عندما يواجهون أي نوع من التوتر أو المشقة، وبأن الدين يمكنه حماية الأفراد من مختلف قضايا الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق. حسب هذه الرؤية، يلبي الدين الحاجة الإنسانية للأمن، والأمن هو أحد الاحتياجات الأساسية للإنسان وهو الأساس في تحقيق الذات (Maslow, 1943, 1954). تشير الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة وثيقة بين الأداء العاطفي الصحي والدين. وحسب فوستر وآرمسترونغ (2017)، فإن “الانضباط الذاتي، وتكوين العلاقات، والشعور بالانفصال الذاتي، تتجذر بعمق في الثقة، كما هو الحال بالنسبة لإقامة الحب، والأمل، والشجاعة، والتي تعد جزءًا لا يتجزأ من التجربة الروحانية والدينية والتنمية” (ص 141). يتم تعريف التدين بشكل فريد في هذه الدراسة على أنه عملية تنموية تؤدي إلى التوحيد باعتباره التجلي الأسمى للوعي الإسلامي.

استنادًا إلى العمل في مجال التحرر اللاهوتي والتعليم التقدمي، ظهر مفهوم التفكير الديني الناقد كمجال يفتقر لوجود أصول التدين في المركز بدلاً من المعرفة الدينية (Wang, 2013). وهذا، بالطبع، أقل شيوعًا من استخدام مصطلح “الروحانية” البديل، والذي أصبح يشير إلى القدرة على أن يكون الشخص مؤمنًا وروحانيًا ولكن ليس بالضرورة متدينًا. كما يبدو أن الروحانية تُستخدم على نطاق واسع لوصف الاختلافات في المعتقدات والإيمان، في حين تبدو الروحانية مصطلحًا أقل شيوعًا في الاستخدام في المجتمعات الإسلامية التي يكون معظم سكانها متدينين. بصرف النظر عن التعريف أو المصطلحات المستخدمة، لدينا دعم يستند إلى التجربة لفكرة أن الروحانية أو التدين لا تحدث من فراغ، ولكنها عملية معقدة ومتطورة. وتوضح ذلك نظرية المرحلة في تطور الإيمان لفاولر (1991) من خلال الإشارة إلى أن التجارب في كل مرحلة تتأثر بالتجارب الأخرى القريبة والمحيطة.

الكفاءة الذاتية

في نظرية المعرفة الاجتماعية، يشير باندورا (1986) إلى أن الكفاءة الذاتية هي مفهوم أساسي يرتبط ارتباطًا وثيقًا وإيجابيًا بمشاركة الفرد المعرفية والسلوكية في مهمةٍ ما. يعرّف باندورا (1986، 1997) الكفاءة الذاتية بأنها إيمان الشخص بقدراته/ها على تنظيم وتنفيذ بعض السلوكيات الضرورية للنجاح في مهمة معينة. تؤثر الكفاءة الذاتية على طريقة تفكير الناس ومشاعرهم، وتصرفاتهم. فهي تؤثر على قرار الشخص بالبدء في إجراء ما، وعلى أنواع النشاط، ومستوى الجهد، والمثابرة، والوقت الذي يكون الشخص مستعدًا لأخذه بعين الاعتبار لإتمام بعض المهام. تدعم الكثير من الدراسات طرح باندورا بأن إيمان الشخص بقدرته على النجاح في مهمةٍ ما يلعب دورًا في النجاح أكثر أهمية من القدرة نفسها. الكفاءة الذاتية هي شيء مطاوع وتتأثر بأربعة مصادر رئيسية: تنفيذ الإنجازات الماضية أو التمكن منها، والخبرة غير المباشرة، والإقناع الاجتماعي، والحالة الفسيولوجية/ النفسية (Bandura, 1986).

إن التمكن أو التجربة النشطة هي مصدر للكفاءة الذاتية التي تتأثر بإيمان الفرد بمستوى النجاح في أدائه/ها السابق في المهام نفسها أو المماثلة لها. عندما يجرب المتعلمون النجاح في مهمة أكاديمية، فإنهم يطورون معتقدات الكفاءة الذاتية بشكل أكثر إيجابية ويطورون شعورًا بالتمكن من القيام بمهام مماثلة، وبالتالي يكونون أكثر حماسًا للبدء بتلك المهمة وإكمالها. المصدر الثاني للكفاءة الذاتية، الخبرة غير المباشرة، وهي مصدر يتأثر بالقدوة. عندما يدرك المرء أن هناك شخصًا بمواصفات أو خلفية مشابهة وهو قادر على النجاح في مهمة معينة، يصبح المرء أكثر تحمسًا وتتطور لديه معتقدات أكثر إيجابية في قدرته على النجاح في المهمة نفسها أو المثيلة لها. يشير المصدر الثالث للكفاءة الذاتية، وهو الإقناع الاجتماعي، إلى الرسائل التي يتلقاها المرء من الآخرين فيما يتعلق بقدراته/ها الخاصة وقدرته على إتمام المهمة المطلوبة بنجاح. يمكن أن يتحول الإقناع الاجتماعي إلى أشكال مختلفة. هناك مصدر آخر للكفاءة الذاتية وهو الحالة الفسيولوجية/ النفسية. الكفاءة الذاتية هي شيء مطاوع ومرتبطة بالسياق وتتأثر بالظروف العاطفية والمواقف. ترتبط المشاعر الإيجابية مثل الفخر والفرح إيجابيًا مع الشعور الإيجابي بالكفاءة، في حين أن القلق، والحزن، والمشاعر السلبية الأخرى تقلل من إدراك الشخص لقدرته/ها ومعتقداته/ها في كونه قادرًا على إنجاز مهمة ما. إن اعتبار هذه المصادر الأربعة للكفاءة الذاتية من قبل المعلمين هو أمرٌ في غاية الأهمية لاستنهاض حوافز الطلبة، وتحصيلهم الأكاديمي والمثابرة.

الشعور بالانتماء  

الانتماء هو حاجة إنسانية أساسية، وبلوغه ضروري لتقدم المرء نحو تحقيق الذات (Maslow, 1962). إنه مصدر مهم لرفاهية الجميع (Baumeister, 1995 & Leary). يُعرَّف الانتماء، أو الشعور بالانتماء، بأنه شعور الفرد بالتجانس مع مجموعة معينة (Tovar, 2010 & Simon). عرّف بيتمان وريتشموند (2008) الشعور بالانتماء على أنه ارتباط المرء بمؤسسته وشعوره بالانسجام مع هذه المؤسسة (Pittman, 2007 & Richmond). من المؤشرات القوية على الشعور بالانتماء إلى أي مجتمع أو مؤسسة هو الدعم الاجتماعي الذي يعتبر عاملًا إيجابيًا يرتبط بآليات التكيف، والمثابرة، والرفاهية البدنية والاجتماعية العاطفية. يرتبط مفهوم الشعور بالانتماء بالسياق الذي يتأثر بالمتغيرات البيئية والظروف. في المؤسسة الأكاديمية، يُعرَّف الشعور بالانتماء بأنه إدراك الطالب للدعم، والقبول، والاحترام، والاندماج في تلك المؤسسة (Goodenow, 1993). قد يتطور لدى الطلبة الذين يدركون أن لديهم تفاعلات إيجابية وعلاقات جيدة مع أقرانهم والمعلمين شعور أقوى بالانتماء. في الأوساط التعليمية، وُجد أن الشعور بالانتماء هو من أقوى المؤشرات على التأثير الإيجابي للطلبة، ورضاهم عن الحياة، وكفاءتهم الذاتية (Saroughi, 2019). يرتبط شعور الطلبة بالانتماء مع اندماجهم في اهتمامات المؤسسة، وعلاقاتهم مع الهيئات التدريسية والأقران، والمشاركة في الحياة الجامعية، والأنشطة المنهجية واللامنهجية (Astin، 1999). من ناحية أخرى، فإن التفاعل الإيجابي للطلبة وعلاقاتهم مع وكلاء الحرم الجامعي (الأقران، والهيئات التدريسية، والموظفين) يعزز من شعور الطلبة بالانتماء، ما يعزز بدوره من تحصيلهم الأكاديمي ورفاهيتهم.